المواطن/ كتابات – فهمي محمد
نشر قبل تسعة اشهر
ثلاث سنوات هن عمر الانقلاب المسلح الذي قام به تحالف الحوثي وصالح وكذلك التدخل العسكري في مواجهة هذا الانقلاب بقيادة تحالف السعودية والامارات والسؤال المطروح يقول مالذي يجري وراء الحرب والسياسة في اليمن ؟
في الواقع هناك معطيان يجب الوقوف عليهما والانطلاق منهما إذا اردنا بشكل جدي تحليل حقيقة ما يجري في المشهد اليمني .
الاول يقول انه بعد ثلاث سنوات من الحرب أصبحت الحركة الحوثية تعيش حالة من التقهقر العسكري المستمر على الارض ، فبعد ان كانت مسيطرة على كامل تراب اليمن اصبحت اليوم تسيطر على اقل من 30% من الاراضي اليمنية في احسن الاحوال ، مع عدم قدرتها عن استعادة أي منطقة او محافظة خسرتها ،كما ان جل المحافظات التي مازالت خاضعة لسيطرتها تشهد جبهات ومعارك عسكرية متعدده اثقلت كاهلها وهو ما يعني دعوتها الى النفير العام والتجنيد الاجباري لأبناء المناطق الخاضعة لسيطرتها ، ناهيك عن حقيقة هامة تقول ان تحرير محافظة مثل تعز بقد ماسوف تغيير في موازين القوى لصالح الشرعية بقدر مايعني ان عدم تحريرها ليس راجعا الى القوة العسكرية الضاربة للحركة الحوثية بل الى سياسة التحالف نفسه وعدم رغبته حتى الآن في اتخاذ القرار السياسي الجاد مع تقديم الدعم العسكري النوعي، صحيح ان الحركة مازالت تسيطر على محافظات تمثل ثقل سكاني كبير الا ان ذلك لا يعني ان تلك الكثافة السكانية تشكل حاضنة شعبية وجماهيرية لها لاسيما بعد مقتل شريكها في الانقلاب هذا اذا تم قياس الامور من زاوية السيطرة على عدد السكان ، بيت القصيد ان كل الموشرات على الارض هنا تؤكد ان القوى الانقلابية ليست بخير ولم تعد متماسكه بالشكل الذي يجعل من هزيمتها عسكريا في بقية المحافظات شيء من ضروب المستحيل .
المعطى الثاني يتمثل بهذا الزخم السياسي والاعلامي الذي قفز فجئة الى سطح المشهد بهدف تشكيل ذهنيات وقناعات سياسية مثبطة ، وهو لا يعبر عن المعطيات الحقيقة الجارية في الواقع والتي تؤكد تقهقر الحركة الحوثية ، بقدر ما يعبر عن سياسة ورغبة قوى كبري مؤثرة سوف تتدخل في انها المشهد العسكري في الوقت المناسب إنقاذاً للحركة الحوثية ،
ما اقصده بهذا الزخم تلك التحركات وذاك الخطاب اللذان اصبحا يشكلان سيوله كثيفة بخصوص تحليل المشهد اليمني تحت عنوان ” ان التدخل العسكري في اليمن لم يحقق بعد ثلاث سنوات شيء يذكر ” وإن قوى الانقلاب مازالت صامدة ، مع ان المعطيات على الارض تقول عكس ذلك .
الحديث عن عدم جدوى التدخل العسكري في اليمن لا يجب ان يقاس من زاوية المواجهة العسكرية وهزيمة القوى الانقلابية على الارض فهذا الهدف تحقق منه الكثير على الجغرافية اليمنية وبالإمكان تحقيق ما تبقى منه ، بل يجب ان يقاس من زاوية فشل التحالف مع الشرعية في بناء نموذج الدولة وفق مشروع وطني في المناطق المحررة ، هذا الفشل هو الذي يستحق شيء من الزخم السياسي والاعلامي الكاشف لنويا التحالف ، لانه يعتمد على معطيات حقيقة في الواقع ولانه فشل متعمد يتمثل في رغبة التحالف في مطاردت فكرة التغيير والتخلص منها وذلك اهم اجندة التحالف التي تكمن وراء السياسة والحرب في اليمن.
الحرب في اليمن لم تعد بيد اليمنيين ولم يعد اليمنييون قادرون على فرض شروط الحرب والسلام ، كما ان البعد الوطني في الحرب يتلاشا يوم بعد آخر ولم يعد قادراً على الصمود امام زحمة الاجندة الاقليمية والدولية الكامنة وراء الحرب والسياسة ،
ايران والسعودية والامارات هما الاطراف الاقليمية الرئيسية والفاعلة في معادلة الصراع والحرب في هذه البلد الذي تحول فيه شعب عريق في الحضارة والتاريخ إلى احجار على رقعة الشطرنج ، صحيح لكل دولة من هذه الدول الاقليمية اجندتها الخاصة في هذه الحرب لكن ما يجمعهم جميعا حتى بدون تمالؤ مسبق هو الرغبة في عدم وجود دولة وطنية ذات سيادة في اليمن ، كما ان وراء هذه الدول وتلك الاجندات دول كبري تتصارع وتعمل على توظيف هذا الصراع الاقليمي ضمن دوائر ومصالح وصراع اوسع يُستخدم فيه ماهو استراتيجي وماهو تكتيكي في نفس الوقت .
ما يجب التركيز عليه ان الصراع والحرب في اليمن تحدث اليوم بعد ان تم كسر أحادية السيطرة على مقاليد السياسة الدولية المحتكرة من قبل امريكا وذلك بعودة الدب الروسي بعد غياب استمر ثلاثة عقود ، لكن المفارقة ان الدولتين هنا لا تريد للحركة الحوثية الهزيمة في اليمن ، كما لا تريد لها ان تسيطر على اليمن .
واذا كانت روسيا انطلاقا من البعد الاستراتيجي مع إيران تعبر عن موقفها هذا بشكل واضح كما هو موقفها المعروف في مجلس الامن واتخاذ حق الفيتو دفاعا عن تورط ايران في دعم الحركة ، فإن امريكا تمارس هذا التوجه في حماية الحركة من السقوط انطلاقا من البعد التكتيكي وإن كان بشكل خفي وهذه القراءة في الموقف الامريكي لا تنطلق من القراءة الساذجة والتي تقول ان امريكاء وايران متفقتان على العرب او ان امريكا والشيعة متفقين على الاسلام والسنة ، بل تنطلق هذه القراءة من حقيقة التجربة التاريخية للسياسة الامريكية وفلسفتها القائمة على مبادى البرجماتية في الصراع الدولي والاقليمي .
الم تدعم الادارة الامريكية ايران الثورة في حربها مع العراق وبالسلاح فيما عرف يومها بفضيحة ” إيران كنترا ” وتم تبرير ذلك بما يعني ان ذلك تقتضيه مصلحة امريكاء ؟
حدث ذلك في الثمانينيات عندما اسقطت ثورة الخميني نظام الشاه الحليف لواشنطن وشرطي المرور الامريكي في الشرق الاوسط كما كان يوصف يومها ، بل ورفعت هذه الثورة شعار امريكا ” الشيطان الاكبر ” وفوق ذلك حاصرت الرعايا والدبلوماسيين الامريكيين داخل ايران بشكل مهين ، وإذا حدث ذلك في الماضي فاليس بمستغرب اليوم حماية الحركة الحوثية من السقوط وهي ترفع شعار ” الموت لامريكا ” بل ويتم تهريب السلاح والصواريخ للحركة الحوثية مع غض الطرف للادارة الامريكية إذا لم يكن بدعم منها ، ليس لأن الحركة الحوثية اداة من ادوات امريكا في المنطقة بل لأن في وجود الحركة في اليمن تتحقق مصالح امريكية كبيرة في المنطقة ، وتلك رغبات ومصالح أمريكية تكمن وراء الحرب والسياسة في اليمن .
فإذا كانت الادارة الامريكية من جهة ترى في الحركة الحوثية كما ترى في ايران (عدو عاقل) يتم الاعتماد عليها في اليمن كشريك جاد في مواجهة الارهاب (العدو الجاهل ) فإنها من جهة ثانية ترى في وجودها في خاصرت السعودية والخليج عامل جديد يمكنها من الاستمرار في تسويق سياسة الحماية الامنية للحكام في هذه الدول النفطية وهي السياسة المعتمدة امريكيا وقبلها بريطانيا منذ اكتشاف النفط في المنطقة ، كما ان ذلك سوف يحول السعودية والامارات تحديدا الى اسوق لبيع السلاح الامريكي وهو ما يعني استعادة الدولار الامريكي المدفوع مقابل براميل النفط الخليجي وردهُ للخزينة الامريكية .
قد تطول الحرب او تقصر في اليمن لكن المؤكد ان القوى الدولية لن تسمح بهزيمة الحركة الحوثية ودخول قوات الشرعية العاصمة صنعاء بهذا الخليط المشوه ، وسوف تتدخل في الوقت المناسب بصيغة سياسية تنقذ الحركة كما تدخلت المبادرة الخليجية في انقاذ نظام صالح، وهذا الزخم السياسي والاعلامي الذي يتحرك ويصور اليوم فشل التحالف عسكريا في تحقيق أي شيء هو مقدمة لتسوية سياسية منقذه تعقد في ظل التلويح بعناصر وهمية في قوة الحركة تتمثل في اطلاق الصوريخ والتجمهر في ميدان السبعين ، اما اذا مازال في جعبة الحركة مزيداً من عناصر القوة الحقيقية والفعلية فإن الحرب سوف تستمر في اليمن بدون اهداف وطنية لان اطراف الصراع في الاقليم تعمل جميعا وفق اجندتها الخفية الى سحب الحياة السياسية في اليمن الى عصر ما قبل الدولة ، فقط لتصفية الحساب في ملفات صراعها الاقليمي .
واكثر من ذلك مايجب فهمه ان الحرب عندما تندلع خارج فضاء الدول العظمى وتحديد روسيا وامريكا فإنها تظل في متناول يديها ، ويتم التعاطي معها بسياسات كبرى تتجاوز تفكيرنا القاصر وحتى المثالي ،
اتذكر هنا ما قرأته يوما عن ما قاله احد عتاولة السياسة في امريكاء حين قال عن حرب الخليج الاولى بين العراق وايران ان هذه الحرب هي ” الحرب الوحيدة التي تمنت دولة امريكاء يومها ان لا تنتهي وان لا ينتصر فيها طرف من الاطراف ” ولم يكن الموقف الروسي بعيدا عن هذا الموقف .
اليمنيين بلا شك هم من فجر الحرب في بلد الايمان والحكمة لكنهم بعد ثلاث سنوات اصبحوا عاجزين عن مواجهة ماوراء الحرب والسياسة من اجندة اقليمية ودولية تتكون وتتكور في نفس الوقت !!!.
2018/3/30م.